حول حمص وعلى ضفاف العاصي أقيمت عشرات
الطواحين التي لم يبق منها الآن سوى آثارها التي تحكي حكاية الزمن الجميل و
ذكرياته عندما كانت الطاحونة ملتقى الاحبة و مصدر الخير حيث تزود الناس
بالطحين لصنع خبزهم اضافة الى البرغل بنوعيه الناعم و الخشن .
وبالقرب
من هذه الطواحين غالبا ما توفرت ساحات للانتظار كان يستخدمها الناس
للسيران و النزهة ولاسيما القريبة من المدينة كطاحونة الجديدة والمزرعة و
الخراب والميماس و السبعة والدنك و الناعورة والحصوية والجبية والأسعدية
والعفص.
و يروي نعيم زهراوي
الباحث التاريخي ذكرياته مع الطاحون عندما كان صغيرا والتي ما زال يحتفظ
بها وقام فيما بعد بدراسة وثائقية عن عمل الطواحين التي بدأت بالاندثار و
الزوال بسبب غزو الآلة الحديثة موثقا لطواحين محافظة حمص بصفتها معامل
اقتصادية هامة.
وبين زهراوي
انه لا يوجد تاريخ ثابت لاستعمال الطاحون ومن المرجح انه يعود الى ما قبل
الالف الخامس قبل الميلاد كما تدل بعض النماذج المكتشفة للالات البسيطة
المستعملة لطحن الدقيق او سحقه و يبدو انه تم استعمال رحى الطاحونة المائية
ثم تطورت حتى غدت انواعا و نماذج مختلفة و بقيت مستخدمة حتى عصرنا.
وأوضح
زهراوي ان للرحى المائية ثلاثة انواع منها الشيبية و الجبية و الجغلية اما
الشيبية فهي من اقدم الطواحين المائية و ابسطها من حيث التركيب واقلها
احتياجا الى الماء و مثال عليها طاحونة العفص التي كانت قائمة خلف شارع
القوتلي في حمص حتى أربعينيات القرن الماضي واما الرحى الجبية فنسبة الى
الجب أو البئر الذي يشكل الفارق بينها و بين الشيبية و ينتشر هذا النوع من
الطواحين في القرى كطاحونة الاسعدية نسبة الى الوالي أسعد باشا العظم في
آخر حي جورة الشياح .
ويطلق
اسم الرحى الجغلية على الطواحين ذات الحركة المستديمة التي اقيمت على نهر
العاصي حيث تم تقسيمها الى طابقين أرضي يوجد فيه محرك الطاحون اما الطابق
العلوي فهو قاعة الطحن التي تضم احجار الطحن و مستودع الحبوب واصطبل
الدواب.
وأشار الباحث زهراوي
الى أن الطواحين بحمص غالبا ما شهدت عبر مراحل التاريخ المختلفة معارك
تاريخية و قصصا لبطولات عديدة لثوار حمص حيث كانت بمثابة ملاجئء لهم خلال
فترة الاحتلال الفرنسي .
و
يقول زهراوي ان طاحونتي البنجكية و ام الرغيف في القصير لا تزالان قائمتين و
لم تتوقفا عن العمل الا منذ وقت قريب كما تضم محافظة حمص عددا من الطواحين
التي مازالت آثارها باقية إلى الآن و هي مسجلة رسميا منها الاسعدية و ام
شرشوح و ام الصفصاف و تل عمري و الجبية و الجديدة و الحصوية و الحميدية و
الخراب و خرخر و الخشانة و هبوب الريح و الدنك و الرستن و السدة و السبعة و
العفص و الدنكزية و عين النسر و العيوج و قدس و القنطرة و المزرعة و
الميماس و هرقل .
ولفت
الباحث زهراوي الى ان سقف طاحونة البنجكية مصنوع من أخشاب اللزاب و هي
محمولة من تحتها بعوارض خشبية طويلة ترتكز بالوسط على جدران و اعمدة
مستديرة بازلتية و جدرانها من حجر كلسي و بازلتي كبير الحجم من الاسفل
متوسط الحجم و صغير في الشطر الأعلى و مدخلها من الشرق غني بزخارف من بينها
سيوف صغيرة و كبيرة ضمن دوائر.
أما
طاحونة ام الرغيف فتبعد عن القصير 5كم و هي مستطيلة الشكل و بناؤها من
الحجر البازلتي تتخلله بعض الحجارة الكلسية البيضاء و مدخلها من الجانب
الشرقي و السقف من أخشاب ترتكز على الجدران و على منصة من الاعمدة
الاسطوانية البازلتية بالوسط ولها جسر أمامي من الجنوب الغربي و جسر اخر
بشكل عرضاني.
و يقول مروان
شريط مالك طاحون البنجكية ان الطاحونة تقع فوق نهر العاصي مباشرة في منطقة
القصير بجانب قرية تسمى تل النبي مندو او قادش و تبعد عن مدينة حمص نحو 35
كم مشيرا الى ان مساحتها تبلغ حوالي 242 متراً مربعاً وهي ما زالت قائمة و
صالحة للاستثمار حتى وقتنا الراهن و تحتفظ بجميع مكوناتها فهي من طواحين
القمح التجارية تعمل على الطاقة المائية ولها ستة أحجار رحى لطحن القمح
وكانت تعد من أكبر الطواحين القديمة في بلاد الشام من حيث طاقة إنتاجها.
وأضاف
شريط ان الوقائع التاريخية تشير الى انه بالقرب من هذه الطاحونة بالذات
دارت خلال التاريخ معارك طاحنة بين الحثيين والفراعنة مشيرا الى انه كان
لهذه الطاحونة شأن صناعي كبير خلال القرنين الماضيين نظرا لضخامتها
وإنتاجها .
وعن حال الطاحونة
اليوم يقول شريط للطاحونة اليوم الكثير من الورثة من قبل عدد من العائلات
الحمصية وهي متوقفة عن العمل بسبب صعوبة موضوع حصر الإرث إلا أن الكثير من
السياح الذين يزورون مملكة قادش المجاورة يعرجون على هذه الطاحونة القديمة.
و أبدى شريط رغبته الشديدة
بالتعاون مع الجهات المعنية في المحافظة لتكون البنجكية أحد اهم مواقع
الجذب السياحي الاستثماري من خلال اقامة مشروع سياحي عليها وهو عبارة عن
مطعم على شكل هرم فوق الطاحونة مع الاحتفاظ بمكونات الطاحون و عملها
الاساسي في صناعة الطحين و احياء التنور لصنع الخبز العربي بجانبها.
من
جهته بين فريد جبور رئيس دائرة آثار حمص ان الدائرة قدمت اقتراحا العام
الحالي الى المديرية العامة للاثار و المتاحف بدمشق لتسجيل طاحونتي
البنجكية و ام الرغيف القائمتين على ضفاف العاصي في منطقة القصير في عداد
المباني الاثرية في محافظة حمص مع امكانية استثمارهما سياحيا من خلال اعادة
تأهيل المكان لافتا الى ان البعثة السورية البريطانية المشتركة قامت
بالكشف على الطاحونتين المذكورتين ضمن خطة شاملة على مستوى القطر لتوثيق
الطواحين الاثرية في سورية بهدف الحفاظ عليها من التخريب و إعادة تأهيلها .
وأشار جبور الى ان قانون
الاثار المعمول به في سورية ينص على استثمار المبنى الاثري للغاية التي
انشئ من اجلها حيث يمكن استثمار هاتين الطاحونتين بوصفهما كاملتين من حيث
مكونات الطاحون و موقعهما على العاصي في منطقة نظيفة خالية من التلوث و
سياحية بامتياز.
و يقول
المهندس نايف الحايك رئيس دائرة التخطيط في فرع الشركة العامة للمطاحن بحمص
ان مطحنة الزهراء تتميز بان معظم آلاتها خشبية كالبراريم او الحلزونات
الناقلة لمادة الدقيق و الرافعات الكيلية و العنابر المخزنة لمادة الدقيق
أو النخالة الناتجة عن طحن الاقماح مؤكدا انه رغم التطور التكنولوجي الكبير
الذي ادخل الآلة في كافة الميادين الانتاجية و الصناعية الا انه لم يتم
الاستغناء عن قسم الطحن فيها حيث يضم 14مكنة للطحن من موديل سوكام فرنسي و
لا تزال تعمل بشكل جيد حتى الآن بسبب متانتها و استمرارية صيانتها و
اصلاحها .
ويزخر الموروث
التراثي الشعبي و الفلكلوري الغنائي بالعديد من الاغنيات عن الطواحين و
اشهرها عالطاحونة للسيدة فيروز و ياما رق ع الطواحين لنصري شمس الدين و
اغنية و الله لجرش برغلكم و غيرها .