دماغك هى دماغك أنت.. وليست دماغ أى أحد آخر.. تولد.. وتكبر.. وتكبر معك دماغك.. وتظل حتى وقت معين من عمرك ــ يعتمد تحديده عليك أنت ــ تائه بين الكثير والكثير من الأفكار والفلسفات والأيديولوجيات حتى تستطيع وضع يدك على فلسفتك أنت الخاصة فى الحياة.. حتى هذا الوقت..
دماغك ملك لك وللجميع أيضا.. ومع بدء تكوين كيانك الإنسانى الخاص بك وحدك.. عندها.. وعندها فقط تستطيع أن تغرس علما يحمل رقمك الكودى فى الحياة على هضبة دماغك.. لتعلنها منطقة خاصة تسير وفقا لقوانينك أنت.. ومرجعيتها الوحيدة هى أنت.. وهكذا.. تكون قد إشتريت دماغك!
هنا قد يبرز من خلف نظارته قعر الكباية أحد «التابوهايين».. (نسبة إلى أصحاب التفكير المحبوس.. سجناء التابوهات المساكين) ليؤكد أنه.. «اشترى دماغك».. يعنى كبر دماغك وارمى ورا ضهرك وما تشغلش بالك باللى يحصل.. من الآخر.. فخد وأنتخ وسيبك.. وهنا..
فليسمح لى صاحب هذا الرأى التابوه أن أدعوه إلى العودة خلف زجاج نظارته قعر الكباية ليواصل رؤيته غير الواضحة والمشبَّرة للأمور.. بينما نواصل نحن رؤيتنا اللى مش حنقول عليها واضحة.. ولكنها على الأقل أقرب إلى المنطق الفطرى للعقل الإنسانى ولكيفية فهمه واستيعابه وإدراكه لمعانى الكلمات.. «اشترى دماغك»..
الجملة النموذج لما يمكننا أن نطلق عليه «المعنى التابوه».. وهو المعنى الذى اتفق البشر عليه.. على الرغم من عدم منطقيته.. إلا أن اتفاقهم هذا أنساهم المعنى الحقيقى للجملة.. وبتطبيق أبسط قواعد المنطق على جملة «اشترى دماغك».. سوف يتضح لنا أنها تعنى «احرص عليها».. احرص على ملكيتها الكاملة وغير المنقوصة.. واحرص على أن تكون جميع قراراتك نابعة منها وحدها.. «اشترى دماغك» بمعنى ما تسيبش حد يلعبلك فيها!
«اشترى دماغك» لا تعنى سوى.. «حِب دماغك».. فإذا كان شراء الشىء يعنى امتلاكه.. وإذا كانت الرغبة فى الامتلاك تفترض حب ما تود امتلاكه.. إذن.. «اشترى دماغك» يعنى حبها.. احرص عليها ونقيها باستمرار من الشوائب والأفكار التى قد تفسها.. وتجعلها غير صالحة لتولى عجلة قيادة حياتك التى من المؤكد أنها تحتاج لدماغ نظيفة لتقودها.. اعلم أنها دماغك..
لهذا.. اصرف عليها وما يهمكش.. سافر واقرأ واتفرج على السينما وادخل تجارب أشكال وألوان.. هذا هو الثمن الذى ينبغى أن يدفعه من يود شراء دماغه.. واعلم أنك طالما خلاص.. مضيت العقود وامتلكت دماغك رسميا.. إذن.. فهى دماغك «تمليك».. وليست دماغك «مفروش».. وهذا لا يعنى سوى شىء واحد.. «إن اللى حتصرفه عليها ــ أيا كان ــ بتاعك فى النهاية.. ومش حيروح على الأرض»!
دماغك هى دماغك انت.. وليست دماغ أى أحد آخر.. فيها تكمن سيرتك الذاتية الكاملة.. وحياتك ما هى إلا شوية الذبذبات التى يصدرها مخك إلى أطراف وصلاتك العصبية المختلفة لاتخاذ قراراتك وصنع أحداث حياتك.. لهذا..
احرص عليها.. واشتريها.. وادفع فيها.. وما يهمكش.. فهى أغلى ما تمتلكه فى تلك الحياة.. هى ورشتك التمليك الخاصة بصناعة النسخة الأصلية من حياتك!
دماغك هى كَفَّك الحقيقى.. عايز تقرا الكف؟! اقرا دماغك!